الإفلاس

المحامية نور جلال رمضان

الإفلاس :هو نظام قاصر على التجار وحدهم و ينظمه القانون التجاري , و يفترض وقوف المدين التاجر عن الدفع ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها بغض النظر عما إذا كان المدين موسرا أم معسرا كثرت أمواله أو قلت . و قوام الإفلاس تصفية أموال المدين تصفية جماعية و توزيع الناتج منها على الدائنين كل بنسبة دينه تحقيقا للمساواة بين الدائنين . وهو يكفل فضلا عن ذلك حماية خاصة للدائنين بتقرير بطلان التصرفات التي قد يبرمها المدين خلال فترة السابقة على الإفلاس و المسماة فترة الريبة 

.
الخصائص العامة للإفلاس :  
الإفلاس نظام جماعي لتصفية أموال المدين التاجر الذي يقف عن دفع ديونه التجارية ,ويشهر بمقتضى حكم تصدره المحكمة المختصة (محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لإعمال المدين).
و يترتب على شهر الإفلاس آثار تتعلق بشخص المدين من جهة و بأمواله من جهة أخرى . 1- تسقط عن المفلس بعض الحقوق المهنية و السياسية , ولا سبيل أمامه لاستعادة هذه الحقوق إلا باتباع اجراءات  رد
 الاعتبار . وقد يتعرض المفلس للعقوبات الجنائية في حالة الإفلاس التقصيري أو بالتدليس . كما أن يد المفلس تغل عن إدارة أمواله و التصرف فيها . و التصرفات التي أبرمها المدين في الفترة الواقعة بين وقوفه عن الدفع و تاريخ حكم شهر الإفلاس وهي المسماة بفترة الريبة تكون باطلة وجوبا او جوازا بحسب الأحوال .
أما فيما يتعلق بالدائنين فإنه يترتب على حكم شهر الإفلاس انتظام هؤلاء الدائنين في هيئة يمثلها وكيل التفليسة تسمى بجماعة الدائنين . و تتالف خذه الجماعة بوجه خاص من الدائنين العاديين الذين يوقف حقهم في اتخاذ الاجراءات الفردية ضد المدين تحقيقا للمساواة بينهم حتى لا يتسابقون في مقاضاته و التنفيذ على أمواله فيتقدم بعضهم على البعض الآخر بغير وخه حق .
وتفتتح بعد صدور حكم شهر الإفلاس إجراءات تمهيدية تهدف إلى تحديد أصول ذمة المفلس و خصومها حتى يتسنى للدائنين اتخاذ الحل المناسب الذي ينتهي به الإفلاس . ويتولى وكيل التفليسة هذه الإجراءات تحت إشراف مأمور التفليسة الذي تختاره المحكمة التي شهرت الإفلاس من بين قضاتها لهذا الغرض .
و بعد الفراغ من الإجراءات التمهيدية يتجذ الدائنون أحد حلول أربعة تنتهي بها التفليسة :

1- يمنح الفلس صلحا بسيطا يضعه على رأس تجارته مع منحه مزايا معينة للو فاء بديونه .

2- يمنح المدين صلحا على ترك أمواله للدائنين و بمقتضاه يبرأ المفلس من ديونه نظير ترك امواله للدائنين
3- يعلن اتحاد الدائنين فتصفى أموال المفلس و يوزع الناتج منها على الدائنين كا بنسبة ما له من حق قبل المدين .
4- يتبين الدائنون أن اصول المفلس لا تكفي لمواجهة مصروفات التفليسة فتقفل لعدم كفاية أموال المفلس .
هذا وقد يحصل المدين إذا كان حسن النية على صلح واق من الإفلاس يهدف إلى تلافي شهر الإفلاس و إنقاذ المدين .
شروط شهر الإفلاس :
1-    صفة التاجر
2-    التوقف عن الدفع
3-    صدور حكم بشهر الإفلاس

صفة التاجر
لابد أن يكون المدين المطلوب شهر إفلاسه تاجرا . و التاجر وفق المادة (9)من قانون التجارة:
  ( 1-التجار هم :
أ-الأشخاص الذين تكون مهنتهم القيام بأعمال تجارية .
ب- الشركات التي يكون موضوعها تجاريا .
2- الشركات التي يكون موضوعها مدنيا ولكنها اتخذت صفة الشركات المساهمة أو الشركات المحدودة المسؤولية ,فتخضع لجميع التزامات التجار و لأحكام الصلح الواقي و الإفلاس المقررين في هذا القانون .)
التجار الأفراد :
إن صفة التاجر لا تفترض فعلى من يدعي أن المدين المطلوب شهر إفلاسه تاجر عبء الاثبات و يكون ذلك بكافة طرق الاثبات .
1*إن عدم القيد في السجل التجاري لا يمنع من شهر الإفلاس المدين إذا كان يحترف التجارة في الواقع .
2*يجوز شهر إفلاس القاصر المأذون له بممارسة التجارة لأنه  يعد كامل الأهلية فيما أذن له فيه بينما يمتنع شهر إفلاس القاصر غير المأذون له بممارسة التجارة و لو كان يقوم بأعمال تجارية .
3*إذا آل إلى القاصر مال في تجارة قائمة فإنه يجوز للولي أو الوصي أن يستمر في هذه التجارة لحساب القاصر بإذن من المحكمة وفي هذه الحالة لا يكتسب الولي أو الوصي صفة التجار و يمتنع شهر إفلاسه لأنه   لا يباشر التجارة لحسابه الخاص و إنما لحساب القاصر ,كما أن القاصر بدوره لا يكتسب صفة التاجر لنقص أهليته فلا يجوز شهر إفلاسه .
4* الأشخاص المحظور عليهم الاتجار بمقتضى القوانين و اللوائح كالموظفين و الأطباء يكتسبون صفة التاجر إذا احترفوا القيام بالأعمال التجارية و إن كانوا يتعرضون للجزاءات التأديبية بسبب مخالفتهم الحظر المفروض عليهم ومن ثم يجوز شهر إفلاسهم .
5* قد يحترف الشخص التجارة مستترا وراء شخص آخر وفي هذه الحالة يعتبر الشخص المستتر تاجرا ويجوز شهر إفلاسه لأن الاتجار يتم لحسابه أما الشخص الظاهر فقد أنكر عليه بعض الفقهاء صفة التاجر لأنه لا يمارس التجارة لحسابه الخاص و لكن الرأي الراجح هو أن الشخص الظاهر يعتبر تاجرا هو الآخر و يجوز شهر إفلاسه لأن ظهوره بمظهر التاجر و تعامله مع الغير على هذا الأساس يجب أن يؤدي إلى اكتسابه صفة التاجر بما تستتبعه هذه الصفة من آثار تطبيقا لنظرية الظاهر و حماية لثقة الغير المشروعة.
الشركات التجارية :
1*شركات التضامن:
إن إفلاس شركة التضامن يستتبع حتما و بقوة القانون إفلاس جميع الشركاء فيها دون الحاجة إلى نص صريح في حكم الإفلاس و ذلك لأن الشركاء المتضامنين يكتسبون صفة التاجر و يسألون بصفة شخصية في أموالهم الخاصة و بوجه التضامن عن ديون الشركة فيعتبر توقف الشركة عن الدفع توقفا عن الدفع من جانب الشركاء كذلك  و لا يترتب على إغفال الحكم الصادر بإفلاس الشركة النص على شهر إفلاس الشركاء المتضامنين فيها أو على إغفاله بيان أسمائهم أن يظلوا بمنأى عن الإفلاس . ويجوز لوكيل التفليسة تفليسة الشركة أن يطلب مد الإفلاس إلى الشركاء فيها الذين لم يكن قد شهر إفلاسهم بعد .
و في هذه الحالة تتعدد التفليسات فتوجد تفليسة لشركة التضامن و تفليسة لكل واحد من الشركاء المتضامنين على أن كل تفليسة منها تعتبر مستقلة قائمة بذاتها لاختلاف أصول و خصوم كل منها .فتضم أصول تفليسة الشركة  جميع أموال الشركة بما فيها حصص الشركاء . وتشمل أصول تفليسة الشريك أموال هذا الشريك الخاصة . أما فيما يتعلق بالخصوم فإنه لما كانت أموال الشركة ضمانا خاصا لدائنيها ,فإن تفليسة الشركة لايدخل فيها إلا دائنوا الشركة دون الدائنين الشخصيين للشركاء .على أن لدائني الشركة التقدم أيضا في تفليسات الشركاء بسبب مالهم  من ضمان إضافي على أموال الشركاء الخاصة ,ولا يكون لهم فيها مركز ممتاز ,بل يتزاحمن فيها مع الدائنين الشخصيين للشركاء حتى يستوفوا حقوقهم .
ملاحظة:
إن إفلاس أحد الشركاء المتضامنين , لدين خاص عليه لا يستتبع إفلاس الشركة ,لأن الشركة غير مسئولة عن ديون الشركاء , ولأن الشركاء الآخرين قد يتمكنوا من الوفاء بديونها. و إنما يترتب على الإفلاس الشريك حل الشركة و انقضائها .
2* شركة التوصية (البسيطة أو بالأسهم):
إن إفلاس شركة التوصية يستتبع إفلاس الشريك المتضامن . أما الشريك الموصي أو المساهم فلا يشهر إفلاسه تبعا لشهر إفلاس الشركة , لأنه لايكتسب صفة التاجر ولا يسأل عن ديون الشركة بصفة شخصية .

                    
3* شركة المحاصة :                             
لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية ,و من ثم لايجوز شهر إفلاسها وإنما يشهر إفلاس الشريك الذي يزاول التجارة باسمه الخاص . أما الشريك الذي لم يتعاقد مع الغير ,فلا يمكن شهر إفلاسه.
4* شركة المساهمة أو ذات المسئولية المحدودة :
يجوز شهر إفلاس شركة المساهمة أو ذات المسئولية المحدودة . على أن هذا الإفلاس يقتصر على الشركة كشخص كشخص معنوي ,1-لا يتناول الشركاء لأنهم لا يكتسبون صفة التاجر
2- لا يلتزمون بديون الشركة في أموالهم الخاصة.
5* الشركة الباطلة:                               
يجوز شهر إفلاس الشركة الباطلة ( مثل الشركة الباطلة لعدم الشهر) إذ أن الشركة الباطلة التي زاولت نشاطها تعتبر أنها قامت في الماضي بوصفها شركة فعلية أو واقعية , و لهذه الشركة شخصية معنوية تبرر الحكم بشهر إفلاسها . ولا عبرة لكون الشركة الواقعية مشوبة بالبطلان لعدم إتمام الشهر ,لأن البطلان لا يجوز للشركاء الاحتجاج به على دائني الشركة . وتعامل الشركة الباطلة وفقا للشكل الخاص الذي اتخذته , فإذا تعلق الأمر بشكة تضامن باطلة , فإن إفلاس الشركة يستتبع إفلاس جميع الشركاء فيها .
6*الشركة المنحلة :                               
لما كانت الشركة المنحلة تحتفظ بشخصيتها المعنوية في فترة التصفية بالقدر اللازم لهذه التصفية فإنه يجوز شهر إفلاسها و هي في دور التصفية .
2-التوقف عن الدفع
المادة (443) من القانون التجارة السوري :(( مع الاحتفاظ بتطبيق أحكام الباب السابق يعتبر في حالة الإفلاس كل تاجر يتوقف عن دفع ديونه التجارية , وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به إلا بوسائل يظهر بجلاء أنها غير مشروعة)).
الوقوف عن الدفع : هو عجز التاجر عن أداء دين تجاري حال , وهو يختلف بذلك عن الاعسار المدني الذي يعرف بأنه عدم كفاية أموال المدين الحالة والمستقبلة للوفاء بديونه المستحقة الأداء.
إذا التاجر قد يتوقف عن دفع ديونه بينما تكون ذمته موسرة كما إذا كانت أمواله عقارات يصعب بيعها بسرعة أو حقوقا مستحقة بعد آجال طويلة كذلك قد يقوم التاجر بأداء ديونه في مواعيدها رغم إعساره كما إذا اقترض أو باع أمواله للوفاء بديونه .
- إن فكرة الوقوف عن الدفع لا تقتصر على مجرد الوقوف المادي عن الدفع و إنما يجب أن يكون هذا الوقوف دالا على عجز حقيقي مستمر ينبئ عن سوء حالة التاجر المالية أي أن يتضمن الوقوف المادي عن الدفع فقد التاجر لائتمانه بين التجار . إذا لا يعتد بالوقوف عن الدفع المادي إذا كان ناشئا عن حالة عارضة لا تلبث أن تزول و من ثم يمكن القول بأن الوقوف عن عن الدفع الذي يمكن من أجله شهر الإفلاس يتضمن عنصرين لازمين:
أ- الوقوف الادي عن الدفع
ب- أن يكون هذا الوقوف ناشئا عن فقد التاجر لائتمانه و عجزه الحقيقي عن الاستمرار في التجارة .
ملاحظات
1- إن فكرة الوقوف عن الدفع تتميز عن فكرة الاعسار بأنها أكثر مراعاة لظروف التاجر بالنسبة إلى أمرين
أ- هو حظر الوقوف المادي عن الدفع بصفة خاصة بين التجار إذ يعتمد الدائن على استيفاء ديونه في مواعيدها ليقوم بدوره بتسديد ديونه في مواعيدها بحيث يؤدي وقوف أحد المدينين عن الدفع إلى اضطراب قد يشمل علاقات متعددة
ب- يتعلق بالإثبات ذلك أن الوقوف عن الدفع واقعة ظاهرة يسهل إثباتها أما إثبات الإعسار فإنه يقتضي البحث في جميع أصول ذمة المعسر و جميع ديونه المستحقة و مقارنة هذه بتلك وفي هذا صعوبات كثيرة و إجراءات طويلة
2-لا يشترط لقيام حالة التوقف عن الدفع أن يكون الامتناع عن الدفع عاما شاملا لجميع الديون ,إذ لاعبرة بعدد الديون التي يمتنع المدين عن دفعها بل بتقدير أثر هذا الامتناع على مركز المالي للمدين  فالامتناع عن دفع دين واحد قد يبررشهر الإفلاس إذا كان ينطوي على خطورة خاصة و يدل على عجز حقيقي عن الوفاء ومركز ميؤوس منه و على العكس قد يمتنع المدين عن الدفع عدة ديون و مع ذلك لاترى المحكمة محلا لشهر الإفلاس لأن الضائقة التي حلت بالمدين عارضة و بوسعه أن يتغلب عليها بسهولة .   
استعمال وسائل غير مشروعة للوفاء

قد يكون المركز المالي للتاجر ميؤسا منه و لكنه يلجأ في سبيل الوفاء بديونه إلى وسائل غير عادية أو غير مشروعة بقصد إخفاء مركزه الحقيقي و إطالة حياته التجارية المضطربة و تأخير شهر إفلاسه ( كبيع البضائع بأقل من سعر الشراء ,أو تحرير سندات مجاملة ,أو رهن جميع العقاراته , أو الاقتراض بفوائد ربوية ) ففي هذه الحالة يعتبر التاجر في حالة وقوف عن الدفع و يمكن شهر إفلاسه .
شروط الدين غير المدفوع
 1- يجب أن يكون الدين محققا خاليا من النزاع الجدي و معين المقدار ومستحق الأداء فلا يعد التاجر متوقفا عن الدفع إذا امتنع عن دفع الدين المتنازع فيه نزاعا جديا أو غير معين المقدار أو غير مستحق الأداء ,إذ يعد الامتناع  بهذه الحالة مستندا إلى سبب مشروع .
2- أن يكون الدين تجاريا سواء بطبيعته أو بالتبعية . و الأصل أن جميع ديون التاجر تعتبر تجارية إلا إذا أثبت هو العكس تطبيقا لنظرية الأعمال التجارية بالتيعية :
أ-إن الوقوف عن دفع الدين المدني لايبرر شهر الإفلاس و لكن الدائن بدين مدني يستطيع أن يطلب شهر الإفلاس المدين التاجر متى أثبت أنه قد توقف عن دفع أحد ديونه التجارية ,فإذا شهر إفلاس التاجر لتوقفه عن دفع ديونه التجارية فإن الديون المدنية تدخل في الاعتبار عند تحديد تاريخ التوقف عن الدفع كما أن للدائنين جميعا سواء كانت ديونهم تجارية أو مدنية حق التقدم في التفليسة و الاشتراك في قسمة الغرماء .    
 ب- إذا كان الدين مختلطا تجاريا من جانب و مدنيا من جانب آخر , فالعبرة لطبيعة الدين بالنسبة للمدين.
تحديد فترة الريبة
إم فكرة الوقوف عن الدفع لا تثور فيما يتعلق بشهر إفلاس التاجر فقط وإنما تثور أيضا بعد أن يتقرر شهر إفلاسه فيما يتعلق بتحديد فترة الريبة . ذلك أن المشرع يرتاب في تصرفات التي يبرمها التاجر بعد الوقوف عن الدفع و قبل صدور الحكم بشهر الإفلاسه ففي هذه الفترة قد يعمد المدين إلى تهريب أمواله إضرارا بدائنيه و قد يعمد إلى تمييز بعض هؤلاء الدائنين إضرارا بالآخرين لذلك يعتمد القضاء في تحديد فترة الريبة على الوقت الذي بدأ فيه المدين المفلس قي التحايل على الدفع بطرق غير عادية . ويترتب على ذلك أنه يمكن أن نرى في الوقوف عن الدفع فكرة مزدوجة :
1- ففيما يتعلق بوظيفتها الأولى كشرط من شروط الإفلاس التاجر يجب أن يتخذ هذا الائتمان النهار شكل الوقوف المادي عن دفع أحد الديون التجارية
2- أما فيما يتعلق بوظيفتها الثانية وهي بدء تحديد فترة الريبة فإنه يكفي في فكرة الوقوف عن الدفع أن تتخذ   مظهرا خارجيا آخر هو ثبوت التجاء التاجر إلى طرق الاحتيالية غير العادية يقصد منها تأخير وقوفه المادي عن الدفع تأخيرا مصطنعا .